النتائج (
العربية) 1:
[نسخ]نسخ!
مقدمة :ارتبطت الخطابة أو " الريطوريقا " الأرسطية( rhetorique) ـ بكونها فنا من فنون القول ـ بالظروف السياسية والفكرية والاجتماعية التي كانت تسود المجتمع الإغريقي بشكل عام ،ولعل هذا ما دفع أرسطو إلى تصنيف الخطابة إلى ثلاثة أصناف : محفلية ، وقضائية ، واستشارية .سنتناول هذا الموضوع من خلال ثلاث محاور وهي :1 ـ تمهيد حول الخطابة وأنواعها عند أرسطو .2 ـ مصطلح " الريطوريقا " والترجمة العربية .3 ـ أسس البناء الخطابي لدى أرسطو . I ـ تمهيد :1 ـ تعريف الخطابة عند أرسطو :يعرف أرسطو الخطابة بقوله : " فالريطورية ( الخطابة ) قوة تتكلف الإقناع الممكن في كل واحد من الأمور المفردة "[i] .يمكن أن نستخلص من هذا النص أن الخطابة ـ قبل كل شيء ـ صناعة تشتغل وفق أدوات وآليات معينة ، يجتهد الخطيب من خلالها لكي يقنع المتلقي للخطاب ، في جميع المجالات ." وهذا ليس عملَ شيء من الصناعات الأخرى ، لأن تلك الأخر إنما تكون كل واحدة منها معلِّمة مقنعة في الأمور تحتها . فالطب يعلِّم في أنواع الصحة والمرض ...أما الريطورية فقد يظن أنها هي التي تتكلف الإقناع في الأمر يعرض كائنا ما كان .." [ii]2 ـ أنواع الخطابة عند أرسطو :يقسم أرسطو الخطابة إلى ثلاثة أقسام فيقول :" فمن الاضطرار إذا يكون الكلام الريطوري ثلاثة أجناس : مشوري ، ومشاجري ، وتثبيتي "[iii]. وهذه الثلاثة هي التي اصطلح عليها بعض الباحثين : بالاستشارية ، والقضائية ، والاحتفالية .وموضوع الاستشارية تقديم المشورة في أمر عام أو خاص ، وأما القضائية فموضوعها العدل والظلم ، وأما الاحتفالية فموضوعها المدح والذم . وكل واحد من هذه الأقسام مرتبط بمجال زمني محدد " والوقت أو الزمان لكل واحد من هذه : أما الذي يشير، فالمستقبل ،لأنه إنما يشير المشير فيما هو مستقبل : فبإذن أو بمنع ، فأما الذي ينازع ، فالذي قد كان ...وإنما يكون أبدا واحد يشكو ،وواحد يعتذر في اللائي قد فُعلن .وأما المُثبت فإن الذي هو أولى الزمان به ذلك القريب الحاضر . فإن الناس جميعا ، إنما يمدحون ويذمون على حسب ماهو موجود قائم ... "[iv].II ـ مصطلح " الريطوريقا " ( rhetorique) والترجمة العربية :احتفظت الترجمة العربية القديمة بالمصطلح كما هو في الأصل بدون تغيير ، فجاء في مقدمة الكتاب " إن الريطورية ترجع على الديالقطيقية ، وكلتاهما توجد من أجل شيء واحد ... "[v] ، وأما ابن رشد في "تلخيص الخطابة " فقد ترجم مصطلح " ريطوريقا " إلى " خطابة " كما جاء في مقدمة التلخيص : " إن صناعة الخطابة تناسب صناعة الجدل ، وذلك أن كليهما يؤمان غاية واحدة ... "[vi].ومن الباحثين المعاصرين من يرى أن مصطلح " الريطوريقا " يوافق مصطلح " البلاغة " ، وفي هذا الشأن يقول الدكتور محمد العمري : " فنحن إذن نتحدث عن بلاغة عامة تمتد بين قطبين : قطب التخييل الشعري ، وقطب التداول الخطابي الحجاجي ، ومن المعروف تاريخيا أن القطب الثاني ، أي القطب التداولي هو الذي كان يحمل الاسم الإغريقي اللاتيني : ريطوريكي أو ريطوريك ،( وفي الفرنسية والأنجليزية rhetorique /rhetoric ) وهو اللفظ الذي تقابله الآن الكلمة العربية " بلاغة " [vii] .غير أن الدكتور حمادي صمود يتحفظ من إطلاق كلمة " بلاغة " في مقابل " الريطوريقا " ويقول : " إن الحقل المعنوي لكلمة rhétotique لا يطابق في الأعم الحقل الذي تبنيه كلمة " بلاغة " في السنن العربية ، وإن كنا نضطر دائما ، عن خطإ أو عن صواب ، إلى المطابقة في الترجمة بين الكلمتين . والتراجمة الذين اهتموا بمؤلفات أرسطو أدركوا هذه النكتة ، ففضلوا على ما عرفناه عنهم في الترجمة ، الإبقاء على المصطلح في لغته الأصلية فقالوا : " ريطوريقا " ثم لما تناول الفلاسفة الكتاب بالترجمة والشرح سموه " الخطابة " " [viii]III ـ أسس بناء الخطابة لدى أرسطو :سنجعل من نص أرسطو في " الخطابة " منطلقا للحديث عن أسس بناء الحجاج الخطابي ، وهو النص الذي صدر به المقالة الثالثة من كتابه ، في صدد حديثه عن البراهين والحجج، إذ يقول : " إن اللاتي ينبغي أن يكون القول فيهن على مجرى الصناعة فثلاث : ( إحداهن ) : الإخبار من أي شيء تكون التصديقات ، ( والثانية ) ذكر اللاتي تستعمل في الألفاظ ، و( الثالثة ) أن كيف ينبغي أن ننظم أو ننسق أجزاء القول..." [ix].يتبين من خلال هذا النص أن أهم الأسس التي ينبني عليها الحجاج في الخطابة عند أرسطو ، هي ما اصطلح عليه الدارسون المعاصرون بالإيجاد ، والترتيب ، والأسلوب . وقد أضاف أرسطو إلى هذه العناصر الثلاثة ، عنصرا رابعا وهو ما أسماه " الأخذ بالوجوه " (hypocrisis ) وأطلق عليه بارث " مسرحة القول " ، فيما أسماه بدوي ب"الإلقاء "[x]. يقول هشام الريفي :
" ولقد أضاف اللاتين إلى المراحل الأربع التي ذكرها أرسطو مرحلة خامسة ، لكن لا علاقة لها بالإنتاج في الحقيقة ، وتتمثل في استظهار الخطيب للخطبة ، استعدادا لإلقائها ، وسموا هذه المرحلة "mémoria" ( أي الاستظهار ) ، ولئن اعتبر سيسرون " ciceron " القدرة على الاستظهار من باب الموهبة ، فإن " كانتيليان "
" quintilien" عرض قواعد عملية تيسر تلك العملية " [xi]
هذا الكلام من هشام الريفي يشعر بأن العنصر الخامس ، ليس من وضع أرسطو ، غير أن ما جاء في مقدمة حمادي صمود لكتاب " أهم نظريات الحجاج " يثبت عكس ما ذهب إليه هشام الريفي ، وهو قوله : " بدأت خطابة أرسطو في الانحسار منذ وقت مبكر ، وكان أن تخلصت من قسمين اعتبرا دائما من أقسامها الثانوية وهما المسميان تمثيل القول أو (hypocrisis, actio ) والذاكرة ( memoria) لأنهما لا يتعلقان إلا بالمشافهة ..."[xii].
ومهما يكن من أمر فإننا سنحذو في عرضنا هذا حذو أغلب الباحثين في تناولهم للبناء الحجاجي عند أرسطو ، آخذين في الاعتبار كل هذه العناصر الخمسة مع التعليق عليها بما يناسب المقام .
1 ـ اكتشاف الحجج[xiii] ( أو الإيجاد ) :
" وهي في مصطلح أرسطو ( eurisis) وفي المصطلح اللاتيني الغالب (inventio) .وفي المصطلحين معنى الظفر بالشيء والوقوع عليه ، مما تؤديه العبارة العربية . بل ويشير منطوق لفظها إلى ما ورد ضمنا في الكلمتين الأخيرتين ، أو يرد في سياق التفسير المصاحب لهما ، وهو حسن التدبير والتقاط المناسبة بين الحجة وسياق الاحتجاج في صورتها المثلى ، حتى يسد المتكلم السبيل على السامع ، فلا يجد منفذا إلى استضعاف الحجة والخروج عن دائرة فعلها ، وربما نقضها بما يخالفها أو يباينها . وهذه المعاني موجودة في تقديرنا في كلمة " البصر بالحجة " وموجودة في الشروح والتحليلات المصاحبة لكلمة ( eurisis ) ."[xiv]
يميز أرسطو بين نوعين من أنواع الحجج ، أحدهما : الحجج غير الصناعية ، والثاني : الحجج الصناعية . فيقول : " فأما التصديقات فمنها بصناعة ، ومنها بغير صناعة " [xv]
أ ـ الحجج غير الصناعية (الجاهزة ) :
يقصد بالحجج غير الصناعية عند أرسطو ، تلك التي لا يكون للخطيب دخل فيها ، إذ هي خارجة عن نطاق تصرفه واجتهاده ، مثل : الشهود ،والاعترافات ، والوثائق والإثباتات ، والأق
يجري ترجمتها، يرجى الانتظار ..
